فصل: الخبر عن حركة الأمير أبي زكريا الى ناحية طرابلس ومنازلة عثمان بن يغمراسن بجاية في مغيبه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن حركة الأمير أبي زكريا الى ناحية طرابلس ومنازلة عثمان بن يغمراسن بجاية في مغيبه.

لما استولى الأمير أبو زكريا على الناحية الغربية واقتطعا من أعمال الحضرة اعتمد في الحركة على تونس فنهض إليها في عساكره سنة خمس وثمانين وستمائة ووفد عليه عبد الله بن رحاب بن محمود من مشيخة ذباب ومانعه الفزازي عن أحواز تونس فنازل قابس وحاصرها وكان له في قتالها أثر واستولت الهزيمة على مقاتلتها ذات يوم فأثخن فيهم قتلا وأسرا وهدم ربضها وأحرق المنازل والنخل وارتحل إلى مسراته وانتهى إلى الأبيض وأطاعه الجواري والمحاميد وآل سالم وعرب برقة وبلغه بمكانه من مسراته أن عثمان بن يغمراسن أسف الى منازلة بجاية وكان من خبره أن الأمير أبا زكريا لما فصل من تلمسان لطلب ملكه على كره منه وامتنع جاره داود بن عطاف من رده وامتلأ له عداوة وحقدا وجدد البيعة لصاحب تونس وأوفد بها علي ابن محمد الخراساني من صنائعه وكان له أثناء ذلك ظهور على بني توجين ومغراوة بالمغرب الأوسط وضاق ذرع أهل الحضرة بمكان الأمير أبي زكريا من مطالبتهم وتدويخه لقاصيتهم فداخلوا عثمان بن يغمراسن في منازلة معقلة بعد بجاية ليردوه على عقبه عنهم فزحف إلى بجاية سنة ست وثمانين وستمائة ونازلها أياما وامتنع عليه سائر ضواحيها فلم يظفر بأكثر من الأطلال عليها وانكفأ الأمير أبو زكريا راجعا إلى بجاية سنة ست وثمانين وستمائة إلى أن كان من أمره ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن فاتحة استبداد أهل الجزيرة.

كان في بعض الأيام بين سدادة وكثومة من عمل تقيوس فتنة قتل فيها ابن شيخ سدادة وأقسم ليثأرن فيه بشيخ كثومة نفسه وكان عامل توزر محمد بن يحيى بن أبي بكر التينمللي من مشيخة الموحدين فتذمم شيخ كثومة به وبذل له مالا على نصره من عدوه فكاتب الحضرة وأعلن بخلاف أهل سداده واحتشد لهم أهل نفطة وتقيوس وخرج في حشد أهل توزر وغزاهم في بلدهم ولاذ بإعطاء الرهن وبذل المال فلم يقبل فأمدهم أهل نفزاوة وزحفوا إليه فانهزمت جموعه وأثخنوا فيهم قتلا وأسرا إلى توزر وذلك سنة ست وثمانين وستمائة ثم عاود غزوهم عقب ذلك ففتحوا عليه ثم عقد لهم سلما على الوفاء بمغارمهم واشترطوا أن لا حكم عليهم في سواها وأن رؤساء نفزاوة منهم فأمضى شرطهم وكان أول استبداد أهل الجريد كما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن خروج عثمان ابن السلطان أبي دبوس داعيا لنفسه بجهات طرابلس.

كان أبو دبوس آخر خلفاء بني عبد المؤمن بمراكش لما قتل سنة ثمان وخمسين وستمائة وافترق بنوه وتقلبوا في الأرض لحق منهم عثمان بشرق الأندلس ونزل على طاغية برشلونة فأحسن تكريمه ووجد هنالك أعقاب عمه السيد أبي زيد المتنصر أخي أبي دبوس في مثواهم من إيالة العدو وكان لهم هنالك مكان وجاه لنزوع أبيهم السيد أبي زيد عن دينه إلى دينهم فاستبلغوه في مساهمة قريبهم هذا الوافد وخطبوا له عن الطاعة خطبا ووافق ذلك حصول مرغم بن صابر بن عسكر شيخ الجزاري من بني دياب في قبضة أسره وكان قد أسره الغزى من أهل صقلية بنواحي طرابلس سنة اثنتين وثمانين وستمائة وباعوه من أهل برشلونة فاشتراه الطاغية وقام عنده أسيرا إلى أن نزع إليه عثمان بن أبي دبوس هذا كما ذكرناه وشهر بطلب حق الدعوة الموحدية وأمل الظفر في القاصية لبعدها عن الحامية فعبر البحر إلى طرابلس وكان من حظوظ كرامته عند الطاغية أن أطلق له مرغم بن صابر وعقد له حلفا معه على مظاهرته وجهز له أساطيل وشحنها بالمدد من المقاتلة والأقوات على مال شرطوه فنزلوا على طرابلس سنة ثمان وثمانين وستمائة واحتشد مرغم قومه وحملهم على طاعة ابن أبي دبوس ونازلوا البلد معه ومع جنده من النصرانية فحاصروها ثلاثا وساء أثرهم فيها ثم رحل النصارى بأسطولهم وسروا بأقرب السواحل إلى البلد وتنقل ابن أبي دبوس ومرغم في نواحي طرابلس بعد أن أنزلوا عليها عسكرا للحصار فاستوفوا جباية المغارم والوضائع مالا دفعوه للنصارى في شرطهم وانقلبوا في أسطولهم وأقام ابن أبي دبوس يتقلب مع العرب واستدعاه ابن مكي من بعد ذلك لأن يشتد به في استبداده فلم يتم أمره إلى أن هلك بجربة والله وارث الأرض ومن عليها.

.الخبر عن مهلك أبي الحسين بن سيد الناس حاجب بجاية وولاية ابن أبي حي مكانه.

قد قدمنا سلف هذا الرجل وأوليته وأنه لحق بالأمير أبي زكريا بتلمسان وأبلى في خدمته فلما استولى الأمير أبو زكريا على الثغر الغربي واقتطعه عن أعمال الحضرة ونزل بجاية وظاهر بها تونس عقد لأبي الحسين بن سيد الناس على حجابته وفوض إليه فيما وراء بابه وأجراه في رياسته على سنن أبي الحسين الرئيس قبله في دولة المستنصر الذي كانوا يتلقنون طرفه وينزعون إلى مراميه بل كانت رياسة هذا في حجابته أبلغ من رياسة ابن أبي الحسين لجلاء جو الدولة ببجاية من مشيخة الموحدين الذين يزاحمونه كما كان ابن أبي الحسين مزاحما بهم فاستولى أبو الحسين بن سيد الناس على الدولة ببجاية وقام بأمر مخدومه أحسن قيام وصار إلى الحل والعقد وانصرفت إليه الوجوه وتمكن في يده الزمام إلى أن هلك سنة تسعين وستمائة أعظم ما كان رياسة وأقرب من صاحبه مكانا وشرفا فأقام الأمير أبو زكريا مكانه كاتبه أبا القاسم بن أبي حي ولا أدري من أوليته أكثر من أنه من جالية الأندلس ورد على الدولة وتصرف في أعمالها واتصل بأبي الحسين بن سيد الناس فاستكتبه ثم رقاه واستخلصه لنفسه وأجره رسنه وتناول زمام الدولة من يد سيد الناس فقادها في يد مظفر خدمته حتى اجتمعت عليه الوجوه وأمله الخاصة وأطلع السلطان على اضطلاعه وكفايته في أمور مخدومه وهلك أبو الحسين ابن سيد الناس فرشحه السلطان بخطته فقام بها سائر أيامه وصدرا من أيام ابنه الأمير أبي البقاء حتى كان من أمره ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى من أمره.